الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة تونسيات بطلات في الذاكرة: حملن السـ.لاح واستشـ.هدن على الميدان ونُفين في رمادة وخضن أشرس المعارك من أجل استقلال الوطن

نشر في  20 مارس 2024  (10:32)

يحتفل التونسيون اليوم الأربعاء بالذكرى 68 لاستقلال البلاد عن المستعمر الفرنسي واستعادة سيادتها كاملة على أراضيها وخيراتها وخياراتها.

وهي مناسبة لاستحضار بطولات الماضي ونضال المناضلين العمالقة طيلة عقود في حرب استعمل فيها التونسيون كل الوسائل للتخلص من عدو دخل البلاد تحت عباءة الحماية لينهب خيراتها ويستولي على أراضيها ويتحكم في سكانها وينكل بهم.

ولا شك أنّ النساء التونسيات لعبن دورا مفصليا وهاما في معركة تحرير الوطن التي شهدت مخاضا عسيرا إلى أن تحقق الاستقلال. ولأنّ التاريخ ونقصد المؤرخين لم ينصفوا بما فيه الكفاية مسيرة كفاح ونضال نساء تونس الحرائر من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، فإنّه وجب ردّ الاعتبار لبنات عليسة والكاهنة اللواتي تظاهرن وجمعن الأموال ونقلن الأسلحة والمؤونة من أجل وضع حدّ للاستعمار.

فمنذ ثلاثة آلاف سنة لعبت المرأة التونسية ادوارا هامّة على غرار عليسة التي اسست قرطاج، والكاهنة التي قادت جيوشا لحماية بلادها، وسيدة الصنهاجية التي حكمت البلد، والسيدة المنوبية الامرأة الخيّرة وحاملة لقب «قطب الأقطاب»، وعزيزة عثمانة التي موّلت بناء مستشفى وسهرت على بنائه في القرن 17، ومنوبية ورتاني التي رفعت من فوق رأسها الحجاب سنة 1924 وبشيرة بن مراد التي اسست سنة 1936 أول جمعية نسائية وطالبت بالمساواة السياسية بين المرأة والرّجل، وتوحيدة بن الشيخ اول طبيبة تونسية سنة 1936، وعلجية الجديدي التي قادت الحركة الاحتجاجية سنة 2008 في ولاية قفصة، ونساء أخريات عمالقة لم يتحدث عنهنّ التاريخ الرسمي الذي كتبه الذكور فكنّ قائدات لملاحم وطنية بطولية لم تؤرّخ أو تجاهلت أن تؤرخ..

في هذا الاطار ننشر نبذة من المعلومات عن حياة بعض المناضلات اللاّئي تجاهلنّ التاريخ وقد استقيناها من كتاب «ما دام في الثورة التونسية نساء» للإعلامي المنصف بن مراد والذي نشرته Simpact Edition لصاحبها ناصر الجلجلي والذي يعتبر مرجعا تاريخيا، ونتأسف لعدم ذكر اسماء كل النساء البطلات...

خديجة طبال
ولدت خديجة طبال بالعاصمة سنة 1925 وكانت من أشجع النساء في نضالها وتضحياتها. وقع سجنها ونفيها في رمادة. نظمت الكثير من المظاهرات في عدد من المدن التونسية وكانت لها شجاعة فائقة. بعد الاستقلال عملت كممرضة. وبقيت صورة المناضلة ترافقها إلى أن توفيت سنة 1995.

حفصية العبروقي
أصيلة تاجروين ذاقت أبشع ما يمكن أن يقترفه جنود الاحتلال ضدّ المرأة اذ تعرضت للاغتصاب من قبل عسكري فرنسي جرّها من شعرها قائلا: «هذه لا يمكن أن تكون عربية بعينيها الزرقاوين»، وإزاء مقاومتها ضربها أحد الجنود بمؤخرة بندقيته على وجهها وساقها..

آمنة براهم
استشهدت المناضلة آمنة براهم يوم 23 جانفي 1952 أثناء مشاركتها في ما يعرف بـ«معركة طبلبة» ضدّ المستعمر والتي اجتمعت فيها حشود غفيرة من الرجال المكبرة والنساء المزغردات قصد تشجيع المقاومين الأبطال. ويبدو أنّ المناضلة آمنة براهم افتكت يوم استشهادها سلاحا كان يحمله شقيقها، إلا أنّ أحد الجنود تفطنّ إليها واستهدفها برصاصة أردتها شهيدة.

شريفة المسعدي
هي أوّل امرأة نقابية تنضم الى الاتحاد العام التونسي للشغل وزوجة الأديب والمناضل محمود المسعدي. وقع انتخابها في الهيئة المديرة لاتحاد الشغل سنة 1949. شاركت في الحركة الوطنية وتنظيم الاضرابات فوقع نفيها إلى قبلي ثم بنزرت وإلى الجنوب. من أبرز نساء تونس. امرأة من فولاذ على الصعيد النقابي والسياسي والتعليمي.

خديجة رابح شهرت زهاري
ولدت سنة 1910 في المطوية في محيط عائلي شعبي. انتقلت سنة 1930 للعاصمة وانضمت إلى الحزب الدستوري سنة 1935. كونت الشبيبة النسائية وتنقلت إلى بنزرت وإلى عدد من المدن الأخرى للحث على المظاهرات. وقع سجنها عديد المرات، لكنّها لم ترم المنديل وكانت نموذجا في الشجاعة والوطنية.

بشيرة بن مراد مؤسسة الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي
ولدت بشيرة بن مراد سنة 1913 بتونس العاصمة وهي ابنة شيخ الإسلام محمد صالح بن مراد وصلوحة بلخوجة. نشأت في بيئة وطنية ودينية وقد وفر لها والدها ولأخواتها ظروف تعليم ممتازة بالبيت كما شجعها على كتابة المقالات في مجلته  «شمس الإسلام» وسنها لا يتجاوز آنذاك العشرين.

في سنة 1936 وبموافقة من والدها، أسست أول جمعية نسائية هدفها تعليم الفتيات وجمع التبرعات لفائدة الطلبة. ثم كان أن ترأست اجتماعات مع الحبيب بورقيبة وفرحات حشاد، كما تدخلت في اجتماعات سياسية لإلقاء كلمات تحث النساء والرجال على المقاومة، ولم تكن آنئذ ترتدي الحجاب. زارت عددا هاما من المدن وأسست خلايا نسائية تابعة للاتحاد النسائي الإسلامي وذلك رغم الظروف السياسية والاجتماعية الصعبة. ولأنّها كانت تمثل خطرا على المحتل وضعت المنظمة الإرهابية «اليد الحمراء» قنبلة أمام منزلها بحمام الأنف سنة 1953 لكنها لم تنفجر، وقد وقع إيقافها عديد المرّات من قبل الشرطة الفرنسية. كان بورقيبة يسميها «أم تونس» نظرا لشجاعتها النادرة ولأنّها نذرت كل وقتها للنضال من أجل تحرير المرأة والاستقلال. كانت الأيقونة التي كافحت كفاحا بطوليا من أجل منح المرأة كل حقوقها. سنة 1955 ألقت محاضرة بمعهد «كارنو» في العاصمة دعت فيها إلى المساواة السياسية المطلقة بين المرأة والرجل عبر منح حق الترشح والتصويت لكل التونسيات. وبعد الاستقلال وقع إقصاؤها من قبل النظام نظرا لقوة شخصيتها ولأنها كانت المحرك الأساسي لمشروع المساواة بين المرأة والرجل ثم وقع التعتيم على نضالها حتى لا تنافس بورقيبة في ملحمة تحرير المرأة بينما يشهد التاريخ أنّها كانت مؤسسة أول اتحاد نسائي سنة 1936 وسنها لا يتجاوز الثالثة والعشرين!
توفيت بشيرة بن مراد سنة 1993 وكانت حقا امرأة عملاقة قلّ ما شهد التاريخ المعاصر مثيلا لها.

توحيدة بن الشيخ، أوّل طبيبة في العالم العربي
ولدت توحيدة بن الشيخ يوم 2 جانفي 1909 بتونس، وقد كانت أوّل طبيبة في العالم العربي حيث مارست طبّ الأطفال ثمّ طبّ النّساء... هي من عائلة ميسورة من رأس الجبل.. درست لدى الرّاهبات وكانت من أوائل التلامذة في معهد نهج روسيا.. وبعد أن نجحت في الباكالوريا بأفضل معدل سنة 1928 سافرت الى فرنسا مصحوبة بليليا زوجة الطبيب والباحث الفرنسي الدكتور «Burnet» والذي أضحى لاحقا مدير معهد باستور.. ولمّا كانت توحيدة يتيمة الأب فقد تكفلت أمّها بالتفاوض في مشروع سفرها مع عائلة والدها لتحصل على موافقتها بشق الأنفس.

في العام  1936 عادت الشابة توحيدة إلى تونس ومعها شهادة الطب، وقد كرّمتها بشيرة بن مراد مؤسسة الاتحاد النسائي الإسلامي خلال حفل أقيم على شرفها ونوّهت بالحظوة التي نالتها المرأة التونسية من خلالها.
عرفت الدكتورة توحيدة بن الشيخ بنضالها من أجل حقوق المرأة، كما شاركت منذ سنة 1937 في أنشطة نادي الفتاة التونسية والاتحاد النسائي الإسلامي.. باشرت بن الشيخ الطب الخاص إذ أنّ المستشفيات العمومية كانت مراقبة من قبل سلطة الاحتلال، ثمّ ساهمت في التنظيم العائلي عبر إحداث أوّل قسم له بمستشفى شارل نيكول سنة 1963، ويجدر التذكير بأنّ التنظيم العائلي يرمي الى تحديد النسل. توفيت توحيدة بن الشيخ في 06 ديسمبر 2010 عن سنّ تناهز 101 سنة.

المناضلة ام السعد يحيى
ولدت سنة 1898 وتوفيت سنة 1972 أصيلة قرية المطوية في ولاية قابس. من المناضلات الصادقات اللاتي انخرطن في الحركة الوطنية في بداياتها. جعلت من منزلها الكائن بنهج سيدي العطاوي بجهة باب سويقة مركزا للنضال وملجأ للثوار والفلاقة ومخزنا للأسلحة والبيانات والمتفجرات ومكانا للإجتماعات العلنية والسرية.
وكان مخبأ آمنا آوى اليه الزعيم بورقيبة ابان الحركة الوطنية سنة 1943 كشكل من أشكال النضال الذي كان يتوخاه الزعيم لمناورة العدو والتشاور والالتقاء سريا بمن ناصروه. وكانت هذه المناضلة تمثل رمزا للتفاني في خدمة وطنها المسلوب بكل شجاعة وجرأة. لم تتوان في تنفيذ كل ما يطلب منها من مهام مما جعل لها مكانة خاصة لدي الزعيم بورقيبة الذي لم ينس بعد الاستقلال ما قدمته من تضحيات واكرمها بوسام الاستقلال وزارها في ذكرى عشرية الاستقلال في بيتها. كما تم تخليد ذكراها بتسمية أحد الأنهج القريبة من مقر سكناها بإسمها وكانت ام السعد يحيى من مؤسسات الاتحاد الوطني للمرأة التونسية.

منجية عميرة مبروك: أوّل تونسية تتحصل على شهادة التبريز في اللغة العربية
ولدت بتونس سنة 1920 وتوفيت سنة 2012. شجعتها أمّها على الدراسة حتى نالت من جامعة السوربون بباريس شهادة التبريز في اللغة العربية سنة 1952 لتكون أوّل تونسية تتحصل على شهادة التبريز في اللغة العربية.
وعند عودتها الى تونس، كرّست حياتها للدفاع عن حق الفتاة في التعليم وعن حقوق المرأة.

امطيرة بن عون بن مسعود (قبلي)
ولدت سنة 1932 بقبلي. طلب منها لخضر سحودة ابن عم زوجها سنة 1949 أن تخفي له ثيابا وحزامي خراطيش لأنّ جنود الاحتلال يبحثون عن أسلحة المقاتلين، فلبست تلك الثياب تحت «الحولي» ووضعت الخراطيش في جرّة رفعتها على ظهرها... وهكذا أفلتت من الجنود بينما فُتش قريبها علي بن ثامر الذي كان يحرسها.

مبروكة دراويل
ولدت مبروكة دراويل سنة 1912 في قبلي التي كانت في ذلك الزمن منطقة عسكرية. ساهمت في المظاهرات رغم اضطهاد الجيش الفرنسي  «الذي عمل في الجنوب شرّ الشعف». ولم يمنعها تعرضها إلى الضرب والإهانة والترويع والسجن من الصمود بمعية نساء قبلي اللاتي أعنّ الفلاقة وساهمن في الحركة الوطنية.

مجيدة بوليلة
ولدت المناضلة مجيدة بوليلة في 13 نوفمبر 1931 بصفاقس وتوفيت سنة 1952. نشأت في وسط له صلة بالزعماء منهم الهادي شاكر وغيره... بادرت مجيدة بتأسيس «كتّاب» قرب الناصرية سنة 1949 لنشر التعليم ومحو الأمية.
عملت على ربط الصلة بين هذه المدرسة ومثيلاتها ومع فرع الاتحاد النسائي الإسلامي بصفاقس برئاسة السيدة ليليا الحجري الأمر الذي أثمر بعث شعبة نسائية دستورية سنة 1949، وهي أول شعبة نسائية نظامية في الإيالة التونسية. لم تقتصر مشاركتها على النضال السياسي بل تركزت على توعية المرأة وتثقيفها... وفي ليلة من ليالي 1952 داهمت الشرطة الفرنسية منزلها وأوقفتها وهي حامل بابنتها الثانية. سُجنت في معتقل بمدينة تبرسق وذاقت الأمرين لكنّها صمدت الى أن داهمها المخاض فنقلت الى المستشفى الجهوي بصفاقس أين توفيت فيه بعد الولادة.

فطومة النملة
ولدت فطومة النملة بصفاقس في 3 أوت 1935 ونشأت في بيت عرف بالحس الوطني. وفي أواخر الأربعينات تعرفت فطومة على المسؤولين في الاتحاد النسائي الاسلامي وعلى مجيدة بوليلة ممّا أثمر تأسيس شعبة نسائية. وفي فترة الكفاح التحريري كانت المناضلة من بين المساهمات في تنظيم المظاهرات والاجتماعات وإلقاء الخطب الحماسية وجمع الإعانات للمساجين وعائلاتهم والتشجيع على الكفاح السري مع رجال المقاومة وهو ما عرضها لانتهاكات كبيرة وتسبب في دخولها الى السّجن والتعرض الى شتى أنواع التعذيب.. وبمناسبة دفن الشهيد الهادي شاكر حضرت الجنازة مع ثلة من النساء متحدية التقاليد...كانت امرأة شجاعة وتلقائية قّل ما وجد مثلها.. وقد كانت رفيقة زوجها النقابي الحاج محمد الدامي الذي سجن سنة 1978 وذاقت الأمرين وهي تدافع عنه بكلّ شراسة.

شريفة فياش
ولدت شريفة فياش بالمطوية سنة 1906 وانتقلت سنة 1930 الى العاصمة.. شاركت في مظاهرة 9 أفريل 1938 ثم روّجت بطاقات الحزب ومناشيره وحضرت الاجتماعات وتنقلت لبعض المدن منها باجة أين ساهمت في مظاهرة 1952 بمساعدة زوجها.. كانت تتمتع بشجاعة فائقة في كل المظاهرات وتدعو لمشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية.. وفي سنة 1958 تعرضت الى رصاصة اخترقت خدها الأيمن وأسقطت جميع أسنانها وفي نفس السنة وقع انتخابها في المكتب التنفيدي للاتحاد النسائى فركزت عديد الفروع النسائية وقد مكنها الرئيس بورقيبة من بطاقة دخول لقصر قرطاج دون إذن لكنّها عادت الى مسقط رأسها المطوية إلى أن توفيت سنة 1994. امرأة شجاعة قلّ ما وجد مثلها.

رفيعة برناز
من كبار وجوه المقاومة ولدت سنة 1922 بحمام الأنف وساهمت مع زكية باي في الأعمال الخيرية ثمّ انضمت للمقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي وذلك بإخفاء وإيصال الأسلحة للمقاومين.. وقع القبض عليها من قبل الشرطة وحكم عليها بسنتين سجنا أمضت منهما سنة في سجن 9 أفريل... لم تتنكر لأفكارها ولمبادئها ولحبها للوطن فصمدت.. وكانت نموذجا ومثالا في الوطنية والشجاعة والتضحية.. وبعد الاستقلال وبما أنّها كانت صديقة زكية ابنة الباي تنكر لها بورقيبة وأخرجها من منزلها هي وعائلتها رغم أنّها كانت من أبرز النساء المناضلات في تاريخ تونس المعاصر.. توفيت سنة 2011.